الصيام عند الصابئة المندائيين
الصيام عند الصابئة المندائيين
الصّوم عند الصَّابِئِينَ من خير الاعمال وافضلها
واصلحها ، ويمارسونه بغية التّقرب إلى اللهِ
سبحانه وطلب مرضاته ، والصّوم
عند الصَّابِئِينَ يُقسم إلى قسمين هما:ـ
الصّوم الكبير(صوم النفس)
هو صوم النّفس قلباً وعقلاً وضميراً ، ورؤيةً
وكلاماً وسماعاً ، وتهذيبها قولاً وفعلاً وسلوكاً
ومنهجاً ، وإمساك النّفس وضبطها عن الوقوعِ
في المُحرماتِ وامساكها عن معصيتهِ وعن
الوقوعِ بِالخَطيئةِ ، والزّهدِ عن ملذاتِ الحَياة
الدُّنيا والتّغلبِ على الشَّهواتِ والرَّغبات
وطاعةِ الله وتنفيذ أمره واجتناب نهيه ،
والعَملِ بِالحَلالِ والنّهي عن الحَرامِ ،
ويتحقق ذلك من خلالِ إمساك الجَوارح عن
الآثامِ المُتمثلة في: صَومِ القَلب عن الشَّهواتِ
والغَضبِ والضَّغينةِ والغْلِ والحِقدِ والتّفرقةِ ،
ومِسكِ الفَم عن اكلِ مال الرّبا والحَرام ،
وصمتِ اللِّسان عن فُضولِ الكَلام ، وإمسَاكه
عن قولِ الكَذب والزّور ، وعن الزّيفِ والمُنكرِ ،
وصيانته عن سيء الكَلام ، ومِسكِ الأُذُن بِالبعدِ
عن سماعِ الباطل والحرامِ ، وعن سماعِ الغْيبةِ
والنّميمةِ ومِسكها عن الإصغاءِ إلى كلِ مكروه ،
وغضِ العَيْن عن النّظرِ إلى الحرامِ ، وغضِ البصر
عن عوراتِ النّاس ، وعن الحَسدِ والغْيرةِ ؛ وَكفِ
اليد عن الأذى والقَتلِ ، وعن السّرقةِ والرّشوةِ
وفعلِ السّوء ، ووقفِ الرِّجل من السّيرِ إلى أماكنِ
الفِسق والفجور ، وكفها عن المَشي إلى كل مكان
لا يرضي الله ، ومِسكِ الأجساد مِن الزّنى والفَاحشةِ ،
ومن السّجودِ لغيرِ الله سبحانه ؛ ومدة الصُّوم الكَبير
تدوم على مدارِ ايام حياة الصَّابِئِي في هذهِ الدُّنيا
الفَانية .
الصُّوم الصَّغير
هو صُوم الجِسم عن المَلذاتِ الدّنيويّة
والشّهوانيّة والحِسيّة ، والغْاية منه إخضاع
النّفس في البدنِ وترويضها على الإستغناءِ
عن المُتعِ الدّنيويّة وعلى التّخلصِ من
الشّهواتِ الجَسدية ، وتدريبها على حياةِ
الزّهد والسّيطرة على الغْرائزِ حباً للهِ
وطاعة له ورجاءاً لِجزائهِ ؛ ويقع الصُّوم
الصّغير فريضة واجبة على الصَّابِئِينَ في
ايامٍ مَعدوداتٍ مجموعِها ستة وثلاثين يوماً
موزعةً على مدارِ أشهر السّنة ، وتُسمى
هذه الايام في الدّيانةِ الصَّابِئِيَّة بِالإمسَاكاتِ
الدّنيويّة ، وتقسم ايام الإمساكات السّتة
والثّلاثين إلى قِسمين اثنين:ـ أيام ثابتة
واخرى مُتحركة .
الإمسَاكات الثّابتة سميت بذلك لان مواعيد
ايامها ثابتة على تقويمِ سَنة الصَّابِئَة الْمَنْدَائِيِّينَ ،
كونها تحسب وتحدد حسب السّنة الشّمسيّة .
الامساكات المُتحركة سميت بذلك لانها متغيرة
من عامٍ لآخر ، ذلك لان الايام المُتحركة يتم
تحديدها حسب السّنة القَمريّة التي تقل أيامها
عن أيامِ السّنة الشّمسيّة بأحد عشر يوماً تقريباً ،
حيث يؤدي الصَّابِئُونَ فريضة صُوم الجَسم من
خلالِ الإمساك عن شهوتي البَطن والفَرج ،
فيمسكون افواهم عن تناولِ ملذات الاطعمة
والأشربة بما فيها الامتِناع عن اكلِ وتناول
جميع أنواع اللّحوم ومُشتقات المُنتجات
الحَيوانيّة ، حيث تُقسم أيام الصّوم الثابتة
منها والمُتحركة الى أيام صيام ثقيلة وخفيفة
حسب نوعية الأطعمة المُباح اكلها خلال
الإفطار ، ففي الأيام الثقيلة يكون الامتناع
تاماً عن تناول اللحوم والمُنتجات الحَيوانية
بجميعِ اشكالها وفي الخفيفة يجوز فيها الإفطار
من خلال تناول الأسماك وشرب الحَليب
وتناول مشتقاته ؛ ويمتنعون في ايامِ الصّيام
الصَّغير عن الجماعِ واقامةِ العِلاقات الجِنسيّة
الزّوجيّة ؛ وإلى جانبِ الصّيام عن الطّعامِ
والشّراب والجِنس ، فالصَّابِئَة في هذهِ الأيام
يتوقفون عن إجراءِ بعض الطّقوس الكَبيرة
والمُجهدة كالصِّباغة وتكريس رجال الدِّين
وطقوس الزّواج ؛ وتقع ايام الصُّوم الصَّغير
على تقويمِ الصَّابِئِينَ حسب التّرتيب الآتي:ـ
اولاً إمساكات الأيام الثّابتة وعددها اثنان
وثلاثون يوماً:ـ في شهر( شباط الصَّابِئِي )
اربعة عشر يوماً تبدأ مع بداية الشّهر ،
واليوم الثّاني والعشرون من هذا الشّهر
إمساك ايضاً ؛ ويقع في اليومِ الخَامس
والعشرين منِ شهرِ( آذار الصَّابِئِي )
يوم إمساك واحد ؛ وثم اربعة إمسَاكات
في الايامِ الاربعة الاولى من شهرِ
(ايار الصَّابِئِي) ؛ وتقع في شهر
( تموز الصَّابِئِي ) ثلاثة إمساكات في
اليومِ التَاسع والخَامس عشر والثّالث
والعشرون ؛ وتقع خمسة إمساكات في
آخر خمسة ايام منِ شهر( أيلول الصَّابِئِي ) ؛
ويقع في الأولِ من شهرِ(تشرين الصَّابِئِي )
إمساك واحد ؛ وفي الثّاني من شهرِ
( كانون الصَّابِئِي ) إمساك واحد ؛ ويقع
إمساكان آخران في آخرِ شهر من اشهرِ
السّنة الصَّابِئِيَّة ، شهر( طابيت ) ، حيث
يقعان في الثّامنِ والعشرين والتّاسع والعشرين.
ثانياً إمساكات الأيام المُتحركة وعددها اربعة
ايام:ـ يدعى اليوم المُتحرك الاول عند الصَّابِئَة
بيومِ عرفات ويقع هذا اليوم في التَّاسعِ من الشّهرِ
القمري برك ( المُوافق التَّاسع من شهرِ ذي الحجة
حسب التَّقويم الهجري ) ؛ ويعرف حالياً يوم
عرفات بيومِ عرفة عند المُسلمين ، ولِصيامهِ فضل
كبير في الدّيانةِ الاسلاميّة الكريمة ؛ ثم يليه اليوم
المُتحرك الثّاني الذي يدعى بيومِ القربان او يوم
الأَضاحِي ويقع هذا اليوم في العَاشرِ من شهرِ
برك القَمري ( المُوافق العَاشر من شهرِ ذي
الحجة حَسب التّقويم الهِجري ) ، وكانت العَرب
قديماً تسميه بيومِ الاضاحي ايضاً او بيومِ الحَج
او النَّحر ؛ ويعرف يوم القربان في الوقتِ الحاضر
كأول ايام عيد الاضحى عند المُسلمين ، ويرجع
تاريخ هذين اليومين عرفات والقربان إلى زمنِ
نبي الله ابراهيم عليه السّلام ، ثم يليهما اليوم
المُتحرك الثّالث يوم الإمساك الذي يُدعى عند
الصَّابِئَة بـ (اشْفَاطا) والذي يقع في اولِ ايام
الشّهر القَمري ناتق ( المُوافق الاول من شهرِ
رمضان حسب التّقويم الهجري ) ؛ وآخرها
اليوم المُتحرك الرّابع ، الذي يدعى عند الصَّابِئِينَ
بيوم الإنتهاء والذي يقع بِاليومِ الأول من شهرِ
واغل القمري ( المُصَادف اليوم الأول من شهرِ
شوال حسب التّقويم الهجري ) ، والمَعروف حالياً
بِاولِ ايام عيد الفطر في الدّيانةِ الاسلاميّة الكَريمة.
وإلى جانبِ الأيام السّتة والثَّلاثين التي كُتِبت على
الصَّابِئِينَ كفَريضة واجب القيام بها ، فهم يَستحبون
صِيام كل يوم أحد وأربعاء وخميس مِن كلِ أسبوع
كصيام مندوب ، وكذلك يستحبون صيام أيام شهر
ناتق القَمري ( رمضان ) كصيام نافلة ، اي الايام
الواقعة بين اشفاطا ولغاطا ، وكذلك يَستحبون صِيام
الايام التي تحدث فيها الظّواهر الفَلكيّة ، أي عند
حدوث كسوف لِلشمسِ او خسوف لِلقمرِ كصيام
مندوب ؛ والصِّيام مباح في الدّيانةِ الصَّابِئِيَّة ،
بحيث يجوز الصّيام وحسب الإستطاعة في اي
يوم من الأيامِ الأخرى من السّنةِ كصوم نافلة ،
يثاب فاعله ولا يأثم تاركه ، إلا في حالةِ صادفت
أيام الإمساكات المُتحركة او المَرغوب بها تطوعاً
مع ايامِ الأعياد والمُناسبات الصَّابِئِيَّة ، عندها لايجوز
ولا يستحب صِيامها .
وذكر الصُّوم الصَّغير في آيات مُصْحَف جِنْزَا رَبَّا
الْمُبَارَك كفريضة واجبة على المُؤمنين ، وحذرت
آيات الْمُصْحَف الْمُبَارَك من السّهوِ والتّغافل عن إداءِ فريضة الصِّيام في ايامهِ المُحدده ، فإن مصير الذين لم يلتزموا بِفرضِ الله سبحانه وتعاليمه ووصاياه ، النّار الحَارقة ، والذين اطاعوه ونفذوا امره وعملوا صالحاً فمصيرهم جناته النّورانيّة السّعيدة .