بلدية سيدي خليل ولاية الوادي
الموقع:
تقع قرية سيدي خليل في شمال سهل وادي ريغ بتراب إقليم المغير، يحدها من الشمال مدينة المغير،
و من الجنوب البارد و تندلة، و من الشرق بادية عرب القبالة ، من أولاد عبد القادر وأولاد جامع و أولاد السايح وبني قصة ،ويحدها من الغرب بادية أولاد نايل الممتدة إلى بادية مسعد .
تـأسيس القريـة:
لا نملك بين أيدينا وثائق مكتوبة تخبرنا عن تاريخ تأسيس القرية، ولا الأجناس الذين سكنوها فلا نعرف من ذلك عنها شيئا سوى الأخبار الشفوية المتبادلة بين الناس إلى درجة اليقين، أخبرنا أنها انبثقت عن قرية قديمة أثرية مشرفة على حوض بحر الأقصى، كانت موطنا لقبيلة فطناسة الزناتية التي تمتد جذورها إلى قبيلة زناتة.
و قد عاش القوم بهذه القرية، و ما جاورها من قصور كماريزو وتندلة تاميدونت ومساكة و غيرها من القرى الأثرية،التي سكنتها عمائر نسيغة، و دوندوقة وبني ريغة و توجين، في خير و أمان و رغد عيش تحت الإمامة الرستمية، إلى أن داهمها العبيديون، الذين اقتفوا آثار الأئمة الرستميين و أتباعهم، بعد الانقضاض على دولتهم، فقتلوا وشردوا وخربوا.ومع تفاقم الفتن وبروز ظاهرة الصراع السياسي و المذهبي، صار الإقليم مجالا لمعارك طاحنة بين أنصار الموحدين وأنصار المرابطين والإباضيين، وزعيم النكارية ابن كيداد ، عندها تغير الوضع من الأمن إلى الخوف، ومن الغنى إلى الحاجة و العوز وصار الموت يهددهم كل حين ، ويلاحقهم الدمار و الخراب في كل لحظة ، فكلما نشبت فتنة من الفتن المذهبية أو السياسة أو الاجتماعية، أتت تلك الفتن على الأخضر واليابس، فيقتل الرجال وتسبى النساء والصبيان، و تُغوَّر المياه، ويُخرَّب العمران.
وبالرغم من تلك الفتن و المحن، فقد تحملها القوم وصمدوا أمامها، وتحدوا أعداءهم فتشبثوا ببلادهم، فإذا خربت ديارهم أعادوا بناءها، أو أعادوا العمران في أماكن أخرى غير الأماكن التي كانوا بها، و لكن لما اشد البلاء عليهم- وللصبر حدود كما يقال- تركوا المكان وتفرقوا في البلدان بددا، فخلفهم في المكان أقوام آخرون من قبائل عربية، فعمروا المكان من جديد، وأحسب أن أغلب قرى وادي ريغ الشمالية نزح منها السكان الأصليون وعوضتهم القبائل العربية ، وانزوى الرواغة في الجنوب .
وفي القرن الثامن الهجري عندما داهم أبو عنان الحفصي إقليم وادي ريغ وأسر أميره يوسف بن مسعود، دخل الإقليم في فوضى سياسية واضطراب اجتماعي، فظهر حسب الروايات الشفوية خليل بن سالم الذي قدم مع والده من الغرب الجزائري، فنزلا ضيفين على أهل فطناسة فأكرموا مثواهما، وأنزلوهما منزلتهما العلمية، كونهما عربيين فقيهين، فاعتكف سيدي خليل في البداية يعلم القرآن لأطفالهم ويدرس الفقه لعامتهم، وينظم حياتهم الاجتماعية التي كانت مضطربة ومبعثرة، ويجمع كلمتهم ويوحد جمعهم، فقرب إليه رؤساء العشائر من الذين كانوا هملا، وبعد سنوات من إقامته بينهم وأصبح منهم سيدوه على أنفسهم، ونوبوه عنهم في محفل رجال الإحسان الذي أسسه محمد بن يحي، وبعد سنوات من قيادته للعشائر التي كانت منتشرة حول بحر الأقصى ومساكة والشرايع وعين الكرمة جمع حوله مجموعة من رؤساء الأسر العربية التي استقرت بالمنطقة فأسس معهم القرية القديمة" أم الهناء " وبعد وفاته سماها الأهالي «سيدي خليل » تبركا باسمه، ومنذ ذلك الوقت أصبح المكان يعرف بسيدي خليل إلى يوم الناس هذا.
وفي هذه القرية تم بناء النظام الاجتماعي الذي سادها مدة وسيَّرها ردحا من الزمن. وتميزت به إلى يوم الناس هذا وقد أستمر الأمر كذلك إلى أن أمر الحاكم العسكري الفرنسي عام 1900م بتحويل القرية إلى مكانها المعروف الآن ، ثم أخذت تتوسع وتمتد نحو الشرق, حتى عام 1969م عندما أصابها الطوفان، وداهمتها الأودية التي جرفت البيوت وهدمت الأبنية حينها تدخلت الدولة لمساعدة المنكوبين وإعادة البناء وترميم البيوت فأختار البعض البناء شرق الطريق الحديدي . والبعض فضل إعادة الترميم والبقاء في بيته القديم.
وفي التقسيم الإداري الصادر عام 1984م حظيت القرية ببلدية إدارية ومجلس شعبي منتخب من عناصر شابة، فبادر هذا المجلس إلى تخطيط قرية جديدة، تبعد عن القرية الأم بحوالي أربعة أميال ، بمحاذاة الطريق الوطني رقم ثلاثة(3) قصد إبعادها من منطقة السباخ ، وإخراجها من عزلتها ، وقد تحقق المطلبان، فوزعت القطع الأرضية على أساس السكن الاجتماعي، و أقبل الشباب على البناء، في الحي الجديدة وبتشجيع من السلطات المحلية، إلا أن القائمين على تخطيط القرية، وتحصيص قطع البناء لم يُراعوا الطابع الفلاحي الريفي كالإسطبلات ومخازن التمور وغيرها من المرافق الضرورية ، والنقطة الثانية أنهم لم يتبنوا إستراتجية تجلب الناس من خارج القرية للبناء فيها وازدياد الإعمار.
ومهما يكن من أمر فقد أصبح الحي الجديد هو المركز الإداري والبعد العماري المستقبلي، وبهذا التقسيم الجديد أصبحت سيدي خليل تضم أربع قرى هي: الدشرة،القصر القديم و أبوسهم (ابن باديس) والسلامة، وعين الشيخ المنبثقة عن برج الشيخ التجاني صاحب زاوية تماسين..
أصل سكان سيدي خليل:
في القديم كان يعمر المكان قبيلة فطناسة الزناتية وبنو ريغة كبقية قرى وادي ريغ وبمرور الزمن، توافد على المكان عشائر مختلفة من جهات أخرى فتداخلت الأنساب، وأصبحوا يشكلون جنسا جديدا ، لم يعد بإمكاننا تحديد نسب وأصل الأسر المتساكنة حاليا بسيدي خليل إلا كونهم من الأصل العربي، ولا نعرف مصدر نزوحهم إليها بالتدقيق سوى بعض الروايات الشفوية التي تحدثت عن ملامح الأسر، فالكل متفق ومجمع أن سيدي خليل بن سالم ، انجب ولدا واحدا اسمه إسماعيل ، قتله أهل فطناسة في حياته،
لم يخلف بعده أولادا،كالمرابطين الآخرين أمثال سيدي مبارك الصايم، وسيدي راشد وسيدي يحي وسيدي عمران .
وبهذه الصورة يكون السكان الحاليين أحفادا لسيدي خليل بالولاء والجوار، و ينتسبون إليه انتساب الرعية للراعي، والمريد للولي والتابع للمتبوع و الذي يمكننا أن نقوله ونطمئن إليه أن المجتمع الخليلي يتكون من أسر مختلفة الأصول والأنساب، جمعهم حسن الجوار، والتعاون على توفير أسباب الحياة.
وبطول الزمن وتعاقب الأجيال، وبفعل المصاهرة بين الأسر المتساكنة تشكل مجتمع جديد متميز عن المجتمع السالف، وتكوَّن ترابط أسري جديد صاغوه في عقد اجتماعي يناسبهم ، وبهذه الوشايج ذابت الأنساب البعيدة وانقطعت سلسلة الأسر عن جذورها.
وإذا تأكدنا أن إقليم وادي ريغ يعد امتدادا طبيعيا واجتماعيا وسياسيا لإقليم الزيبان، فإن أكثر الأسر والعائلات التي تعمر سيدي خليل تنحدر من أفخاذ وبطون قبائل عربية، كانت منتشرة بإقليم وادي ريغ و الزيبان فبعض الأسر يعود أصلها إلى فخذ من أفخاذ خذران وأولاد عمر المنتشرين بالزاب الشرقي، وبعضها ينحدر من قبيلة أولاد الدراج كونهم هم أصحاب القوافل التجارية بين الشمال والجنوب ،ومنهم من ينحدر من أولاد زيد وأولاد عبد القادر وبعضهم من أولاد مولات وأولاد ساسي، فعلى سبيل المثال لا الحصر، إن عائلة علالي تنحدر من قبيلة سليمة وتلتقي مع عشيرة بجادي المقيمة بتمرنة، وعائلة الزابي قدم جدهم الأول من قبيلة خدران التي تقيم بالفيض وعائلة جعفر قدم جدهم من مقرة حيث يقيم بطن من بطون أولاد دراج، وعائلة بري تنحدر من قبيلة أولاد مولات، وعائلتي برابح ، و رحمون جاء جدهم الأول من تمرتة وتلتقي مع عشيرة حملاوي المقيمة بتمرنة المنحدرة أصولهم من من بطون أولاد دراج المقيمين ببريكة..
والذي يؤكد أو يقربنا إلى التأكيد أن الأسر الساكنة بسيدي خليل من الأصول العربية التي وفدت مع الحملات العربية على المغرب الأوسط، وليسوا من الذين وفدوا من جنوب الصحراء, كما هو حال سكان القرى والمداشر المنتشرة في جنوب الإقليم، فالملامح والعادات كلها تؤكد ما نقوله عن سكان سيدي خليل نجملها في الميزات الأتية:
1- أن لهجة القوم تختلف اختلافا بينا عن لهجات الآخرين سواء في عملية الإبدال الشائعة، ولا في مخارج الحروف التي ينطقونها عربية فصيحة وسليمة، ولغتهم المحكية غير مطعمة بالألفاظ البربرية.فلا إبدال في حديثهم العام و لا في المصطلحات المستعملة في الفلاحة ، وهذا شأن كل العشائر الساكنة بناحية المغير.
2- ملامح وجوه القوم وصفاتهم الخارجية تشبه ملامح وصفات العرب والأعراب خصوصا العائلات التي لم تختلط بالمولودين، ك رحمون والزابي والبري و بوساسي وبن عمر و بلحشاني.
3- نمط الحياة اليومية التي يحيونها وعاداتهم، وتقاليدهم هي حياة وتقاليد بدوية في أغلبها.
4- الألفاظ الفلاحية المستعملة عندهم كلها ألفاظ عربية يعود أصلها إلى اللسان العربي الفصيح.
5- إذا علمنا أن وادي ريغ امتداد طبيعي لإقليم الزبيان فإن العادات والتقاليد ونمط الحياة الموجودة في سيدي خليل هي نفسها العادات والتقاليد السائدة بالزبان خصوصا الزاب الغربي الذي يقطنه ويسكنه العرب الخلص.
هذه النقاط والملامح التي ذكرناها يشترك فيها بعض سكان المغير، نسيغة والبارد وسيدي يحي وسيدي عمران وسيدي راشد الذين ينطبق عليهم ما ينطبق على سكان سيدي خليل.